Total Pageviews

Wednesday, March 23, 2016

اليوجا في مترو الانفاق - الكاتبة سميرة الخطيب

اليوجا في مترو الانفاق
سميرة الخطيب - امريكا

عادت شفتاها تتحركان بسرعة ..وعيناها مركزتان علي وجهي بنظرة حادة تكفي لتشريحي دون مخدر..المسافة بيننا لاتتجاوز عشرة اقدام..كانت تحاول عبثا اجتيازها لتصل قريبا مني وسط الحشد الشبيه بيوم الحشر,في هذا القطار في مترو الانفاق. . شيئا فشيئا اصبحت حركة شفتيها اقل حدة..يبدو انها توقفت عن لومي وتانيبي علي الابتلاء الذي اوقعتها فيه..لم اع ما تقول الا انني اجزم انها لم تعد عدوانية.. مؤكد لم تعد عدوانية..الواقفون حولي تسابقوا في توصيل ما لا اسمعه:

ــ تقول اقتربي منها ..المحطة القادمة هي محطة المنيل..

ــ ولكني لااستطيع الحركة.. ترون ..اصبحنا في القطار في اتحاد مثالي..الكل في واحد.. طبق حساء نموذجي..

تعالت الضحكات..وقال احدهم..

ــ لاتحزني يا سيدتي..سنساعدك.. سنخرجك من طبق الحساء..

وقال آخر مازحا..

ــ تريدنها معك ..ام تتركينها لنا لعدة محطات اخري.. علها تهدا..هل هي حماتك؟؟..

ــ لا ارجوكم ..انها اختي وامي وابنتي..تتحمل نزواتي وغرائبي..باركها اللّه..

وبعون من اللّه القادر..وبسعي من رفقائي الجدد في حساء القطار تم قذفي واختي كطلقة..ووجدنا انفسنا علي رصيف محطة المنيل..لوحت بيدي اودع اسرتي الجديدة التي واصلت سيرها بينما ضحكاتها الطيبة تصل اليّ فتشعرني بالطمانينة..تساءلت اختي..

ــ في اي شئ كنتم تتحدثون..؟؟

وانتهزت الفرصة ومارست هوايتي في المشاكسة..

ــ كنا نناقش فكرة ان الغضب يفرز ذرات سلبية مارقة..تؤثر علي الجهاز العصبي وتؤدي الي خلل في تركيبة الخلاايا وتجعلنا نتمتم بشفاهنا بكلمات غير مفهومة مثلك تماما وانت في طبق الحساء..في القطار ..

ابتسمت اختي وهي تضع ذراعها علي كتفي ..

ــ طبعا طبعا .. وناقشتم ايضا نظرية النسبية لاينشتين..

وانفجرنا ضاحكتين..وواصلنا سيرنا

************************

كان ذلك عام 2006 حينما دب في عروقي - انا الامريكية بحكم جواز سفري - شوق الي جذوري التي ابتعدت عنها رغما عني.. حينها عزمت علي صوم رمضان في وطني-اي بلد عربي- شجعتني اختي رحمها اللّه وقررت مرافقتي واقترحت شقتها علي نهر النيل في المنيل لتكون مقاما لنا طوال شهر رمضان ,واضافت لاغرائي

- علي نهر النيل وقريبة من الازهر والحسين..شهر كامل بين الدين والدنيا

رحمها اللّه..كانت منحة من السماء اضاءت حياتي..

كانت قد انهت بنجاح علاج السرطان..انا اؤمن بالاعجاز العلمي الذي وضعه الخالق بداخلنا واننا باحيائه وحسن استخدامه قادرين علي طرد كل المتطفلين عن اجسادنا حتي لو كانت خلايا مارقة مجنونة ,غير ان اختي كانت قد اختارت النموذج الطبي القاسي بكل آلامه وحينما اعترضت وتوسلت خيرتني بين الخروج من حياتها ريثما تنهي علاجها او احترام خيارها وعدم الاعتراض حتي بكلمة او امتعاض..او حتي استجواب لاطبائها,وهكذا اجبرت ان اكون شاهدة علي الطب الغربي وهو يشن حربيه الكيماوية والذرية علي جسد اختي الضعيف وجهاز مناعتها المتهالك..آسفة, لقد انحرفت عن موضوعي..عن يوم المترو اتحدث..كان يوما مشهودا..حطت فيه كونداليزارايس رحالها في مطار القاهرة, واغلقت الحكومة شوارع المدينة حتي تصل صاحبة العصمة مقر اقامتها..كنا -انا واختي - في شبرا ننتظر اخي بسيارته لكنه لم يات. بسبب زحام كونداليزا رايس...فعرضت عليها مبتهجة ان نستقل المترو....

- المترو؟!!!..في اواخر رمضان!! قبل الافطار بساعة!!..هل اصابك مس ؟؟

دفعتها امامي في اصرار ودون تعليق..تسمرت قدماها ,قلت لها

- في المترو تحت الارض لن يكون اسوا مما هو فوقها..والشيطانة كونداليزا لن تسمح لاخيك بالحضور..هيا..

- سيسرقون كل ما في حقيبة يدك!!!

- ليسرقوا..لن ياخذوا شيئا ليس لهم..

تمتمت لنفسي,لقد سبقناهم وسرقنا كل ما كان لديهم,واضفت لنفسي ايضا بان رايس تحط رحالها لتبشر بشرق اوسط جديد ,فقط,من اجل مزيد من السرقة..(انا دائما اكثر الناس دهشة بما اقول وما اكتب)..جذبتها وبدانا النزول..بدا وكان سكان القاهرة الكبري وكل الضواحي رافقونا في النزول الي محطة مترو شبرا..ادركت لحظتها انني اسات التقدير..ولم يكن بوسعي التراجع..كوندليزا جاثمة علي صدورنا في السطح وليس امامنا الا الصبر والتحرك الي الامام..وانتهزت اختي الفرصة واخذت توبخني وتصفني بانني اعاند كالاطفال ,ثم تقرر اننا لن نصل اليوم الي المنيل,....

كنت امني النفس ان اجد لها مقعدا في القطار لكن ومن وسط امواج البشر اصبحت اتمني ان اجد القطار نفسه...

وجدته وفتح ابوابه وساد الهرج والمرج..تعلقت اختي بذراعي وجذبتي بقوة خلت معها ان ذراعي سيتركني ويتعلق بابطها..فجاة حصلت المعجزة ووجدنا انفسنا داخل المقصورة!! بعون اللّه وقدرته ورحمته وعون ملائكته..وجددنا انفسنا ضمن المسافرين..

هنا عادت اختي تمارس هوايتها..كيف سمحت لنزواتك ان تقنعني بمرافقتك؟؟ كيف لجنونك ان يجرني لملعبه؟؟ ها نحن لن نصل قبل عيد الاضحي...

اما انا فقد جاء رد فعلي الذي يملأ خلاياي بالاوكسيجين حين احتاج..بدات اضحك دون ان التفت لذراعي المشنوق تحت ابطها..انتقلت عدوي الضحك للمحيطين بنا..بدات انظر اليهم .وجوه سمراء جميلة..طلبة مدارس بحقائب ملونة..طالبات بقمصان بيضاء وفيونكات مزركشة..عمال مجهدون لكنهم يضحكون,سيدات يرتدين السواد لكن بوجوه نضرة..,فسيسفاء لوجوه بشرية مجهدة لكنها تحب الحياة والابتسام .

تراخت ذراعي الحرة فسقطت حقيبة يدي نحو الارض تركت اختي ذراعي المشنوقة وانحنت بحركة لاارادية وامسكتها قبل اختفائها وسط الاقدام..وبختني

- ماذا دهاك..؟؟

اغظتها بابتسامة

- في المتاع ولا في الذراع..

وتوقف القطار,خرج منه وودخل فية اعداد هائلة,لكننا وبعون اللّه وبركتة كنا ضمن المسافرين..وكانت اختي قد ابتعدت عني..اصبح يفصل بيني وبينها ربع سكان القاهرة واكثر من عشرة اقدام..لوحت لي معاقبة بانها ستلقي بحقيبة يدي الي الارض..ضحكت بصوت عال وقلت لها

- اي ارض؟؟ هل ترين ارضا؟؟

عمت الضحكات ثانية من حولي,وعدت انظر للوجوه الضاحكة,رايتها.. بلاين بلاين الخلايا والذرات,تتفاعل فيما بينها,تتزاحم,تتبادل الافكار والاحلام والرؤي..تاخذ وتعطي..تتكلم بلااصوات..وتحدث اصوات بلا كلام..رايتها طبق حساء كوني هائل تذوب فيه كل مكونات الحياة..خاطبت اختي عن بعد..

- طبق حساء بشري كوني .. اليست هذه هي الحياة؟؟!!..

امطرتني بوابل من الشتائم- بالانجليزية هذه المرة -لكنني اشهد ان مفرداتها كانت انيقة,شتائم راقية ,تليق بمقامها كرئيسة عنبر الاطفال في مستشفي جامعة نيويورك, حذرتني اننا سنستنشق ميكروبات تقعدنا في الفراش حتي بعد عيد الاضحي, وانني ساتوسل اليها ان تعطيني مضادا للحياة او ما تسميه هي مضادا حيويا..

هنا قررت ان اطرد طاقة المرض عني وعن اخوتي في مترو الانفاق وان ارسلها -لو استطعت- الي المصونة كونداليزا التي تمرح الان فوق سطح الارض..

رفعت صوتي وناديت اخوتي في القطار

- يا اخوتي ..افعلو مثل ما افعل..

بدات بكفي المحررتين من حقيبة يدي تمارين في طب الطاقة الذي امارسه منذ عشرين عاما.. بدات ادق برفق علي عظمتي ّ خديّ ..اغمضت عيناي واستحضرت صوت فيروز الذي احبه.. رايتها تجلس علي صخرة امام البحر في اجمل شواطئ الدنيا, ولدهشتي رايتها تنثر علي رؤوسنا خلايا وذرات السلام والمحبة.. كان علي ان اطرد كل الطاقة السلبية عني وعن كل احبتي في القطار..اخذت اضغط علي نقاط محددة في عنقي وراسي. وارسلت صلاتي الصامتة والمركزة لكل احبتي..حركة ذراعيّ اثارت حب استطلاع اسرتي الجديدة..بعضهم كان يقلدني وبعضهم كان يبتسم في اندهاش وبعضهم كان يتمتم في غرابة

- تمارس اليوجا في مترو الانفاق..

ودبت الصحة والحيوية فيمن حولي..اخذوا يسالونني واجيبهم ..واسالهم ويجيبون..صحة بدون تكاليف..وحب دون تحفظ..استمر النقاش حتي نبهني احدهم لشفتي اختي التي تتمتم بكلام غير مفهوم..منْ حولي اوصلوا لي ماتقول.

- تقول اقتربي منها..المنيل هي المحطة القادمة..

ابتسمت..

-ــ ولكني لااستطيع الحركة.. ترون ..اصبحنا في القطار في اتحاد مثالي..الكل في واحد.. طبق حساء نموذجي..

- سنساعدك..

افسحوا امامنا المجال..وبعون من اللّه وبمساعدة اسرتي الجديدة..وجدنا انفسنا خارج القطار في محطة المنيل.. رحلة حب لاتنسي..

كل رمضان وجميعنا بالف خير...

سميرة الخطيب - امريكا






 

 







No comments:

Post a Comment